مسيرة آيت بوكماز: صرخة الجبل من أجل العيش الكريم
في مشهد نضالي يعكس إصرار ساكنة دواوير جماعة آيت بوكماز بإقليم أزيلال، خرج المئات من أبناء هذه المنطقة الجبلية في مسيرة احتجاجية سلمية، قطعت أزيد من 40 كيلومترًا مشيًا على الأقدام، ليصلوا إلى مقر عمالة أزيلال. هذه الرحلة، التي استمرت يومين وقضى خلالها المحتجون ليلة في العراء بمنطقة آيت امحمد، لم تكن مجرد مسيرة، بل كانت صرخة مدوية ضد التهميش وطلبًا لأبسط حقوق العيش الكريم. هذه المطالب التي حملها سكان سبعة دواوير لم تكن طموحات كبيرة أو ترفًا، بل ضروريات أساسية: طريق معبد، طبيب دائم، تغطية شبكة الهاتف والإنترنت، مدرسة، وملعب للشباب.
رحلة الأمل عبر التضاريس الوعرة
انطلقت قافلة الأمل من قرية تبانت في صباح يوم الأربعاء 9 يوليوز 2025، حاملة معها آمال ساكنة عانت لسنوات من العزلة والإهمال. لم تثنِ التضاريس الجبلية الوعرة ولا برودة الليل عن عزيمة المحتجين، الذين تحدوا التعب والإرهاق لإيصال صوتهم إلى الجهات المسؤولة. بعد قطع عشرات الكيلومترات، وصل المحتجون إلى مقر العمالة في أزيلال يوم الخميس 10 يوليوز، حيث شكلوا لجنة تمثيلية تضم ممثلين عن جميع الدواوير للحوار مع عامل الإقليم، السيد حسن بنخيي.
استقبال رسمي ووعود بالتغيير
استقبل عامل إقليم أزيلال ممثلي الساكنة في جو من التجاوب، حيث استمع إلى مطالبهم التي تضمنت خمس نقاط رئيسية: إصلاح وتوسيع الطرق الرابطة بين آيت بوكماز وأزيلال، توفير طبيب دائم بالمركز الصحي، تعميم تغطية شبكة الهاتف والإنترنت، بناء ملعب للقرب، وإنشاء مدرسة جماعاتية للحد من الهدر المدرسي. كما أثار المحتجون قضية القيود الإدارية على البناء، التي تعيق الساكنة بسبب غياب تصميم تهيئة يراعي خصوصيات المنطقة الجبلية.
تعهد العامل بتحقيق المطالب العاجلة خلال 10 أيام، تشمل تعزيز تغطية شبكتي الهاتف والإنترنت، تعيين طبيب بالتعاون مع جمعية أطلس للصحة، وتسهيل رخص البناء لبعض الفئات المعوزة. أما باقي المطالب، مثل تحسين البنية التحتية للطرق وبناء ملعب ومدرسة، فقد وعد بمعالجتها في غضون أربعة أشهر على أبعد تقدير. كما أعلن عن زيارة ميدانية مرتقبة للجماعة لمتابعة هذه القضايا عن كثب، بالإضافة إلى عقد لقاء عمل مع المنتخبين والمصالح المعنية لوضع تصور شامل لحل المشاكل.
مطالب مشروعة تعكس الحد الأدنى للعيش
مطالب ساكنة آيت بوكماز ليست جديدة، بل هي انعكاس لواقع مرير يعيشه سكان المناطق الجبلية في المغرب. غياب الطرق المعبدة يعزل الدواوير عن المراكز الحضرية، مما يصعب الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. نقص الأطباء والتجهيزات في المراكز الصحية يهدد حياة السكان، خاصة في الحالات الطارئة. أما انعدام تغطية شبكة الهاتف والإنترنت، فهو يفاقم من عزلة السكان، مانعًا إياهم من التواصل مع العالم الخارجي. هذه المطالب، التي وصفها الناشطون والباحثون بـ"الحد الأدنى للعيش الكريم"، تكشف عن عمق الفجوة بين المغرب الحضري والمغرب القروي العميق.
صوت الجبل يصل إلى الرباط
لم تكن مسيرة آيت بوكماز مجرد احتجاج محلي، بل حملت رسالة وطنية إلى صانعي القرار في الرباط. النائبة البرلمانية التي تفاعلت مع الحدث أشارت إلى أن صراخها من تحت قبة البرلمان لم يُسمع، مما يعكس إحباطًا عامًا من تجاهل قضايا المناطق المهمشة. ومع ذلك، فإن استقبال العامل للمحتجين والتزامه بالحلول يبعث على الأمل بأن تكون هذه المسيرة بداية لتغيير حقيقي.
التحدي المستمر: من الوعود إلى التنفيذ
رغم الوعود الواعدة، يبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذه التعهدات إلى واقع ملموس. تاريخيًا، شهدت العديد من المناطق القروية في المغرب وعودًا مماثلة لم تتحقق، مما يغذي الشعور بالإحباط لدى الساكنة. إن نجاح هذه المبادرة يتطلب متابعة دقيقة وتنسيقًا فعالًا بين السلطات المحلية والإقليمية والمنتخبين، مع تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ المشاريع المبرمجة.
خاتمة: درس من الجبل
مسيرة آيت بوكماز ليست مجرد حدث عابر، بل درس في الصمود والإصرار على انتزاع الحقوق المشروعة. إنها تذكير بأن التنمية الحقيقية لا تقاس بالمشاريع الكبرى في الحواضر فحسب، بل بمدى قدرتها على الوصول إلى أبعد الدواوير وأكثرها عزلة. ساكنة آيت بوكماز، التي تحملت مشقة السير لعشرات الكيلومترات، أثبتت أن صوت الجبل قادر على الوصول، وأن الأمل في غد أفضل لا يزال ينبض في قلوب أبنائه. الآن، الكرة في ملعب السلطات لتحويل هذه الوعود إلى إنجازات تعيد الكرامة والأمل لهذه المنطقة المنسية.